فضل ليلة القدر… ليلة تتنزّل فيها الرحمات
قال الله تعالى في كتابه الكريم:
{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (سورة القدر)
هذه الليلة المباركة ليست مجرد ليلة عابرة، بل هي فرصة العمر التي تُفتح فيها أبواب السماء، وتُغفر فيها الذنوب، وتُبدَّل السيئات حسنات، ويكتب الله فيها مقادير العباد.
🌟 أولًا: معنى ليلة القدر
كلمة القدر لها معانٍ متعددة في اللغة والشرع:
-
القدر بمعنى الشرف والمكانة: فهي ليلة ذات قدر عظيم ومنزلة عالية عند الله.
-
القدر بمعنى التقدير: لأن الله يُقدّر فيها ما يكون في العام القادم من أرزاق وآجال وأحداث.
-
القدر بمعنى الضيق: إشارة إلى أن الأرض تضيق بالملائكة لكثرتهم في تلك الليلة المباركة.
فهي ليلة عظيمة القدر، كثيرة الخير، عظيمة الأثر في حياة المؤمن.
🌟ثانيًا: فضل ليلة القدر في القرآن الكريم
جاء فضلها واضحًا في القرآن من خلال سورة القدر، ومن أبرز مظاهر هذا الفضل:
-
نزول القرآن فيها، قال تعالى:
{إنا أنزلناه في ليلة القدر}،
أي في هذه الليلة ابتدأ نزول القرآن على النبي ﷺ، فكانت بداية النور والهداية للعالمين. -
خير من ألف شهر، أي أن العبادة فيها تعدل عبادة أكثر من 83 سنة دون انقطاع.
تخيّل أن ركعة واحدة فيها قد تكون خيرًا من آلاف الركعات في غيرها من الليالي! -
نزول الملائكة والروح (جبريل عليه السلام)، فهم يتنزلون بالرحمات والبركات، ويُسلمون على المؤمنين في المساجد والمصليات.
-
سلامٌ هي حتى مطلع الفجر، أي أن هذه الليلة كلها سلام وأمن وطمأنينة، لا يُقدّر الله فيها إلا الخير.
🌟ثالثًا: فضلها في السنة النبوية
لقد أكّد النبي ﷺ على عظمة هذه الليلة في أحاديث كثيرة، منها:
-
قال ﷺ:
«من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه» (متفق عليه).
-
وكان رسول الله ﷺ يعتكف العشر الأواخر من رمضان تحرّيًا لهذه الليلة، فلا يترك القيام ولا الدعاء فيها.
-
وقالت عائشة رضي الله عنها:
قلت يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلةٍ ليلةُ القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي:
اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعفُ عني (رواه الترمذي).
هذا الدعاء العظيم يجمع بين التذلل، والاعتراف بفضل الله، والرجاء في مغفرته.
🌟رابعًا: متى تكون ليلة القدر؟
لم يُحدّد النبي ﷺ ليلة القدر بيومٍ معين، لحكمةٍ ربانية حتى يجتهد المؤمن في العبادة خلال العشر الأواخر كلها.
لكن الأحاديث دلّت على أنها تكون في الليالي الوترية من العشر الأواخر، أي:
ليالي 21، 23، 25، 27، 29 من رمضان.
وقد رجّح كثير من العلماء أن ليلة السابع والعشرين هي الأرجى، لقول أُبيّ بن كعب رضي الله عنه:
"والله إني لأعلم أي ليلة هي، هي ليلة سبعٍ وعشرين" (رواه مسلم).
ومع ذلك، لا ينبغي الاقتصار على ليلة بعينها، بل المطلوب أن يُجتهد المسلم في كل الليالي الوترية طمعًا في إدراكها.
🌟 خامسًا: علامات ليلة القدر
وردت في السنة بعض العلامات التي قد يستأنس بها المؤمن لمعرفة هذه الليلة:
-
صفاء الجو واعتدال الطقس؛ لا حار ولا بارد.
-
نورٌ وطمأنينةٌ في القلب لا تُشبه سائر الليالي.
-
شعور بالسكينة والإقبال على العبادة دون كسل.
-
تشرق الشمس في صباحها بلا شعاع قوي، كما جاء في حديث أُبيّ بن كعب رضي الله عنه.
لكن تذكّري أن هذه العلامات لا تُعرف إلا بعد انقضاء الليلة، والهدف ليس ملاحظتها فقط، بل العبادة فيها إيمانًا واحتسابًا.
🌟سادسًا: كيف نغتنم ليلة القدر؟
لإدراك فضل هذه الليلة العظيمة، على المسلم أن يعيشها بقلبٍ حاضر وعملٍ صالح:
1. الإكثار من تلاوة القرآن 📖
فهي الليلة التي نزل فيها القرآن، وأعظم ما يُتقرّب به فيها هو تدبّر كلام الله.
2. الدعاء الصادق 🤲
ليلة القدر هي ليلة الإجابة، فأطل الدعاء فيها لنفسك، لوالديك، وللمسلمين جميعًا.
وأكثر من الدعاء الذي أوصى به النبي ﷺ:
اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعفُ عني.
3. قيام الليل بخشوع 🕌
صلاة القيام من أعظم القربات، وقد كان النبي ﷺ يقوم حتى تتفطّر قدماه، فليكن قيامنا في هذه الليلة قيامًا خاشعًا صادقًا.
4. الاستغفار والذكر
أكثر من قول:
سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر،
فهي أذكار خفيفة في اللسان عظيمة في الميزان.
5. الصدقة والإحسان💰
من أفضل الأعمال في ليلة القدر أن تُسهم في إدخال السرور على فقيرٍ أو محتاج،
فقد قال ﷺ:
«الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار» (رواه الترمذي).
🌟سابعًا: الحكمة من إخفاء ليلة القدر
أخفى الله تعالى علم ليلة القدر عن عباده ليجتهدوا في العبادة في كل الليالي، فلا يتهاونوا ولا يتكلوا على ليلة واحدة.
كما أخفى ساعة الإجابة يوم الجمعة والاسم الأعظم لله ورضاه عن عباده، حتى يبقى العبد دائم السعي والطاعة والرجاء.
🌟ثامنًا: أثر ليلة القدر في حياة المسلم
من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، وجد أثرها في قلبه وسلوكه:
-
نور في الوجه،
-
راحة في القلب،
-
صفاء في النفس،
-
وبركة في العمر والرزق.
إنها ليلة تبدّل فيها الذنوب حسنات، وتُكتب فيها مقادير عامٍ جديدٍ مليءٍ بالخيرات.
ليلة القدر هدية من الله لعباده المؤمنين، وفرصة سنوية للتوبة والمغفرة والعودة الصادقة إلى الله.
فلنحرص على أن نكون من أهلها، نُحييها بالقيام والدعاء والذكر وتلاوة القرآن، لا بالسهر والغفلة.
ولنجعل شعارنا فيها:
🌸 اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعفُ عنّا يا كريم 🌸
فمن أدركها فقد نال الخير كلّه، ومن حُرمها فقد حُرم أعظم البركات.

إرسال تعليق