لماذا يحتفل الآخرون بعيد الميلاد(الكريسماس)؟

 لماذا يحتفل الآخرون بعيد الميلاد؟ ولماذا يشارِك بعض المسلمين دون معرفة حقيقته؟


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد، فإنّ من الظواهر المنتشرة في زمننا هذا مشاركة بعض المسلمين في الاحتفال بما يسمى عيد الميلاد (الكريسماس)، سواء في البيوت أو المدارس أو أماكن العمل أو عبر التزيينات والمظاهر الاحتفالية التي أصبحت جزءاً من الثقافة العالمية الحديثة. ولأنّ كثيراً من المسلمين لا يعرفون حقيقة هذا العيد، ولا أصلَه الديني، ولا سبب احتفال غير المسلمين به، كان من المهم كتابة هذا المقال التوعوي ليكون باباً للفهم والبيان، بعيداً عن التعصب أو الإساءة، بل بروحٍ إسلامية حكيمة تُبصِّر الإنسان بدينه وتذكّره بهويته.

أولاً: ما هو عيد الميلاد ولماذا يحتفل به الآخرون؟

يُعتبر عيد الميلاد من أكبر الأعياد الدينية عند المسيحيين في العالم، وهو مرتبط باعتقادهم أنّه ذكرى مولد النبي عيسى عليه السلام. ومع أنّ تاريخ الميلاد نفسه غير متفق عليه حتى في المصادر المسيحية، إلا أنّ الكنائس جعلت يوم 25 ديسمبر رمزاً لهذه المناسبة.
أمّا الاحتفال فيشمل طقوساً دينية داخل الكنائس، وزيارات عائلية، وهدايا، وأضواء، وشجرة الميلاد، وغيرها من العادات التي تطوّرت مع الزمن.

ومع توسع النفوذ الغربي في القرون الأخيرة، أصبح الكريسماس أيضاً عيداً ثقافياً وتجاريًا يُحتفل به حتى من غير المتدينين، فصار موسماً للتسوق والعروض والمتعة، مما جذب الكثير من الناس إليه مهما كانت معتقداتهم.

ثانياً: لماذا يشارك بعض المسلمين في الاحتفال بالكريسماس؟

  1. التقليد الاجتماعي وضغط المحيط
    كثير من المسلمين يعيشون في دول غربية أو مجتمعات مختلطة، فيجدون أنفسهم أمام مظاهر احتفالية كبيرة فيُشاركون بدافع الاندماج أو المجاملة.

  2. الجهل بحقيقة العيد
    بعض المسلمين يظنون أن الكريسماس مجرد مناسبة عالمية للفرح والهدايا، ولا يعرفون أصله الديني المرتبط بعقائد لا يعتقدها المسلمون.

  3. التأثر بالإعلام
    الأفلام، الدعايات، الأغاني، والمسلسلات التي تُظهر الكريسماس كحدث جميل وبريء تجعل البعض يتقبله دون تمحيص.

  4. الانبهار الثقافي
    حيث يشعر بعض الشباب بانجذاب نحو ما يُسمّى “الحضارة العالمية”، فيقلدون مظاهرها دون التفكير في أثر ذلك على هويتهم.

  5. عدم وضوح الحكم الشرعي عند بعض الناس
    لأنّ الكلام الديني أصبح أقل حضوراً في حياة الكثيرين، لم يعد المسلمون يميزون بين المناسبات الدينية الخاصة بالمسلمين وغيرها.

ثالثاً: ما موقف الإسلام من مشاركة المسلمين في الأعياد الدينية لغيرهم؟

الإسلام دين واضح في هذا الباب. فالأعياد في الشرع ليست عادات عابرة، بل هي شعائر دينية تعبّر عن عقيدة الأمة وهويتها.
وقد ثبت أنّ النبي ﷺ قال: «إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا»، وهذا يدل على أنّ لكل أمة أعيادها الخاصة التي تعبّر عن إيمانها.

كما اتفق علماء الإسلام عبر العصور على أنّ مشاركة المسلمين في الأعياد الدينية لغير المسلمين أمر غير جائز، لأنه اعتراف ضمنيّ بعقائد لا يعتقدها المسلم. ومع ذلك، يؤكد العلماء أيضاً أنّ الإسلام يأمر باحترام الناس وبالعدل معهم، وعدم إيذائهم أو السخرية منهم أو الاعتداء عليهم. فعدم المشاركة لا يعني العداوة، وإنما يعني الثبات على الهوية الدينية مع التعامل الحسن مع الجميع.

رابعاً: لماذا يجب على المسلم أن يكون واعياً بهويته؟

  1. لأن الدين ليس مجرد طقوس بل هوية وانتماء
    المسلم يشعر بالانتماء إلى أمته من خلال الالتزام بشعائرها، ومنها عيد الفطر وعيد الأضحى.

  2. لكي لا يذوب المسلم في ثقافة لا تشبهه
    المشاركة غير الواعية قد تجعل المسلم يتخلى شيئاً فشيئاً عن خصوصيته الدينية.

  3. لأن الله أمرنا بالتميز عن غيرنا في العبادات
    التميز ليس تعصباً، بل حفاظاً على جمال الهوية الإسلامية.

  4. لأن المسلم قد يُحاسَب إذا قلد ما يخالف عقيدته عن جهل أو تهاون
    والجهل ليس عذراً دائماً إذا كان الإنسان قادراً على التعلم.

  5. لأن أبناء المسلمين يتعلمون من أفعال أهلهم
    فإذا رأى الطفل أهله يحتفلون بعيد غير إسلامي، فسيكبر وهو يظن أنّ الأمر لا يختلف عن أعياد الإسلام.

خامساً: كيف يمكن للمسلم أن يوازن بين الاحترام والثبات على الدين؟

الإسلام دين الرحمة والتسامح. فلا يجوز للمسلم أن يسيء إلى غير المسلمين أو يحتقرهم أو يمنعهم من الاحتفال بأعيادهم في بيوتهم وكنائسهم.
ولكن في الوقت نفسه، لا يُطلب من المسلم أن يشارك في احتفالات تخالف إيمانه.

ولذا يمكن للمسلم أن يجمع بين الأمرين عبر السلوك التالي:

  • احترام الآخرين دون مشاركة في الشعائر الدينية.

  • تجنب الجلوس في الاحتفالات التي تحتوي طقوساً عقائدية.

  • الاعتذار بلطف إذا دُعي للمشاركة.

  • التزام الأخلاق الحسنة والعمل الطيب مع الجميع.

  • تذكير الأبناء بحقيقة الأعياد الإسلامية وما فيها من معانٍ عظيمة.

سادساً: رسالة للمسلمين

يا أيها المسلم، إن دينك ليس عبئاً عليك، بل هو نور وهداية.
وإن تمسكك بهويتك لا يعني الانغلاق، بل يعني أن تكون واضحاً مع نفسك ومع الناس.
فلا تكن إمّعة، ولا تتبع ما يشاع دون علم.
تعلم دينك، وافهم ما يحيط بك، وكن قدوة في الأخلاق والعلم.

والذي يحتفل بعيد الميلاد يفعل ذلك لأسباب دينية تخصه، ولا يُطلب منك إلا أن تحترمه دون أن تشاركه ما يخالف معتقدك.
أما أنت، فأعيادك اثنان فقط: عيد الفطر و عيد الأضحى، وفيهما من المعاني الروحية ما يغنيك عن تقليد غيرك.


إن معرفة المسلم بحقيقة الأمور تحفظ دينه وهويته، وتجعله يتعامل مع العالم بوعيٍ واحترام. وليس الهدف من هذا المقال النهي عن الخير أو قطع العلاقات الإنسانية، بل المقصود هو التمييز بين ما هو ديني وما هو اجتماعي، وبين ما يجوز وما لا يجوز.
فالمسلم يظل ثابتاً على عقيدته، منفتحاً على العالم، محسناً إلى الناس، لكنه لا يذيب إيمانه في تقاليد لا تمت لدينه بصلة.

نسأل الله أن يبصّرنا بديننا، وأن يثبتنا على الحق، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

Post a Comment

أحدث أقدم