«الإسلام بين الشرق والغرب»-علي عزت بيغوفيتش
يعدّ كتاب «الإسلام بين الشرق والغرب» أحد أهم الأعمال الفكرية في القرن العشرين. فهو ليس كتابًا دينيًا تقليديًا، ولا بحثًا فلسفيًا مجردًا، بل هو محاولة عميقة لفهم طبيعة الإنسان ومعنى الحضارة وموقع الإسلام بين عالمين: عالم الشرق الروحي، وعالم الغرب المادي.
يرى علي عزت أن الإسلام ليس مجرد دين تعبدي، ولا مجرد فلسفة أخلاقية، بل حضارة متوازنة تجمع بين الجسد والروح، بين العقل والإيمان، بين العلم والقيم.
والكتاب يقدّم رؤية فكرية تعيد تعريف الإسلام بوصفه “طريقًا ثالثًا” يكمّل النقص الموجود في الحضارتين الشرقية والغربية.
الفصل الأول: ثنائية الإنسان – الجسد والروح
يبدأ بيغوفيتش بفكرة محورية: الإنسان كائن مزدوج.
فهو يحمل جسدًا ينتمي إلى المادة، وروحًا تنتمي إلى السماء.
ويقول إن هذه الثنائية هي مصدر كل التوتر الإنساني، وهي أيضًا مصدر إبداعه وحريته.
الغرب = الجسد والعلم
الغرب ركّز على المادة والعقل، وعلى السيطرة على الطبيعة عبر العلم.
الشرق = الروح والتأمل
الشرق (الهند، الصين، والفلسفات الروحية) ركّز على الروح، والزهد، والتأمل.
الإسلام = التوازن
الإسلام جاء ليعيد الإنسان إلى وحدة المعنى:
ليس إنكار الجسد ولا سحق الروح، بل تحقيق الانسجام بينهما.
ولهذا يصف الإسلام بأنه «دين وحضارة»، وأنه الحركة التي تنقل الإنسان من الانقسام إلى الوحدة.
الفصل الثاني: الحضارة والثقافة
يفرق بيغوفيتش بوضوح بين الحضارة والثقافة:
الثقافة
هي عالم الروح، الفن، الدين، الأخلاق، الأدب…
تنشأ من داخل الإنسان.
الحضارة
هي عالم العلوم، التكنولوجيا، الصناعة، التنظيم، المؤسسات.
تنشأ من سيطرة الإنسان على الطبيعة.
ويرى أن الشرق قوي في الثقافة وضعيف في الحضارة، بينما الغرب قوي في الحضارة وضعيف في الثقافة الأخلاقية.
أما الإسلام، فيركّز على هندسة النفس وعلى هندسة العالم في الوقت نفسه، مما يجعله مشروعًا حضاريًا ذا بعدين روحي ومادي.
الفصل الثالث: الدين والفلسفة والعلم
يحلل الكاتب ثلاثة طرق للمعرفة:
1. الدين
يجيب عن: «لماذا نعيش؟»
يركّز على المعنى والقيم والغاية.
2. الفلسفة
تحاول فهم الوجود عبر العقل، لكنها عاجزة عن تقديم معنى نهائي للحياة.
3. العلم
يجيب عن: «كيف تعمل الأشياء؟»
يعطي قدرة لكنه لا يعطي حكمة ولا أخلاقًا.
ويرى بيغوفيتش أن كل طريق وحده ناقص، وأن الإسلام يجمع بين العلم (إعمار الأرض) والإيمان (إعمار الروح).
فالمسلم الحقيقي عنده ليس ناسكًا منعزلًا، ولا عالمًا ماديًا باردًا، بل إنسانًا يعيش هاتين الحقيقتين معًا.
الفصل الرابع: الحرية والمسؤولية
يتحدث الكاتب عن الحرية باعتبارها جوهر الإنسان.
فالإنسان وحده يملك القدرة على الاختيار، وهذه الحرية هي التي تجعله مسؤولًا أمام الله.
الشرق
تميل حضارته إلى إنكار الحرية بحجة القدر أو الانسجام الكوني.
الغرب
يمجّد الحرية ولكنه يحرر الإنسان من الأخلاق والقيم، فيصبح حرًّا بلا معنى.
الإسلام
يجعل الحرية مقرونة بالمسؤولية:
«فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ».
هذه الحرية ليست فوضى، بل اختيار يحمِل عواقبه.
وفي الإسلام، الحرية ليست ترفًا فكريًا، بل شرطًا للإيمان ذاته.
الفصل الخامس: الأخلاق والقانون
يبيّن الكاتب أن الأخلاق في الغرب نسبية، تُحددها القوانين والوضعية، بينما في الشرق مثالية مطلقة يصعب تطبيقها.
أما الإسلام فيجمع بين الواقعية والمثالية عبر:
-
الشريعة: الحد الأدنى الإلزامي
-
الأخلاق والإحسان: السقف الأعلى للمؤمنين
بهذا يصبح القانون الإسلامي ليس مجرد قوانين عقابية، بل منظومة قيم تحفظ الإنسان والمجتمع.
الفصل السادس: الدين والحياة
يرى بيغوفيتش أن أحد أخطاء الفكر الديني القديم هو عزل الدين عن الحياة، وأحد أخطاء الغرب هو عزل الحياة عن الدين.
بينما الإسلام يرفض الفصل بينهما.
فالقرآن لا يقدّم تعاليم روحية فقط، بل تعاليم اجتماعية وسياسية واقتصادية.
ويرى أن النبي ﷺ ليس مجرد «واعظ»، بل قائد يبني دولة ويقيم مجتمعًا متوازنًا.
الإسلام «ليس فكرة تُفكَّر، بل حقيقة تُعاش»، وهو ما يجعل الدين جزءًا من الحياة، والحياة جزءًا من الدين.
الفصل السابع: الإنسان بين الطبيعة والتاريخ
يحاول بيغوفيتش تفسير علاقة الإنسان:
بالطبيعة
الإنسان ليس مجرد كائن بيولوجي.
فهو يعيش في الطبيعة لكنه ليس جزءًا مطلقًا منها، لأن وعيه وإرادته يتجاوزانها.
بالتاريخ
يرى أن التاريخ صنعه الإنسان الحر، لا الظروف المادية وحدها.
ولهذا يُدين الفكر الماركسي الذي يختزل التاريخ إلى صراع اقتصادي.
الإنسان في نظر الإسلام “صانع معنى”، لا مجرد نتاج للبيئة.
الفصل الثامن: الفن والجمال بين الشرق والغرب
الجمال في الشرق هو جمال مثالي روحاني، وفي الغرب جمال واقعي محايد.
أما الفن الإسلامي فخاص جدًا:
-
يخلو من التجسيد المتطرف
-
يعبر عن التوازن
-
يربط الجمال بخدمة المعنى الروحي
-
يحول الطبيعة إلى رمز بدل تقليدها حرفيًا
يرى الكاتب أن الزخارف الإسلامية، وفلسفة الخط، وتناغم العمارة، كلها تعبير عن «وحدة الروح والمادة» في الإسلام.
الفصل التاسع: الإسلام والحداثة
يناقش بيغوفيتش نقد الغرب للإسلام، خاصة فيما يتعلق بالعلم، والتقدم، والديمقراطية، وحقوق الإنسان.
ويقول إن الحضارة الإسلامية لم تتخلف لأنها إسلامية، بل لأنها توقفت عن ممارسة الإسلام في صورته الواسعة، التي تجمع بين الروح والعقل والعمل.
ويرى أن الإسلام الحقيقي لا يعارض العلم ولا التقدم، بل يحارب التشيؤ والانفصال الأخلاقي.
الفصل العاشر: الإسلام كحلّ للمأزق الإنساني
يختم بيغوفيتش بأن العالم يعيش أزمة كبيرة تزداد فيها:
-
المادية
-
الفردانية
-
الإلحاد
-
التفكك الأسري
-
فقدان المعنى
-
الاحتقان الحضاري
ويرى أن الإسلام—باعتباره نظامًا متوازنًا—يقدّم حلًا حضاريًا لهذه الأزمة عبر:
1. وحدة الإنسان
الجسد والروح معًا.
2. وحدة المعرفة
العلم والإيمان معًا.
3. وحدة الحياة
الدين والحياة معًا.
4. وحدة الإنسانية
لا تفاضل إلا بالتقوى والعمل الصالح.
وهذا التوازن، الذي غاب في الشرق والغرب كل بطريقته، هو ما يحتاج إليه العالم اليوم.
«الإسلام بين الشرق والغرب» ليس كتابًا دفاعيًا، بل كتاب بحث عن الحقيقة.
يقدّم الإسلام بوصفه رؤية شاملة للإنسان والكون والحياة.
ويظهر الإسلام كحضارة وسط بين التطرف الروحي في الشرق، والمادية الصارمة في الغرب.
ويؤكد بيغوفيتش أن الإسلام هو «خريطة الطريق» الوحيدة القادرة على جمع الإنسان الممزّق بين رغباته الروحية وطموحاته العقلية.
إرسال تعليق