«الثقوب السوداء والأكوان الناشئة»-لستيفن هوكينغ

      «الثقوب السوداء والأكوان الناشئة»-لستيفن هوكينغ





يجمع ستيفن هوكينغ في هذا الكتاب بين المقالات العلمية والسير الذاتية والخواطر الفلسفية. على عكس كتبه الرياضية العميقة، يتحدث هنا بأسلوب موجَّه للقارئ العام، ليقرب مفاهيم مثل الثقوب السوداء، الانفجار العظيم، الأكوان البديلة، طبيعة الزمن، والبحث عن نظرية موحدة.

إنه كتاب شخصي جدًا؛ يروي فيه هوكينغ أجزاءً من حياته، صراعه مع المرض، مسيرته العلمية، ورؤيته الفلسفية للعالم.

الفصل الأول: نشأة الفضول العلمي

يبدأ هوكينغ بتقديم لمحات عن طفولته، وكيف بدأ اهتمامه بالعلم مبكرًا. يعترف بأنه لم يكن طالبًا مثاليًا، بل كان فضوليًا أكثر من كونه منضبطًا، وأن فضوله هذا قاده إلى طرح الأسئلة الكبرى:

  • ما أصل الكون؟

  • لماذا نعيش في كون قابل للفهم؟

  • هل للزمن بداية؟

تلك الأسئلة كانت شرارة رحلته العلمية، وكانت أيضًا سببًا لدخوله إلى عالم الفيزياء النظرية والكونيات.

الفصل الثاني: المرض… وتغيير المسار

يقدّم هوكينغ وصفًا صريحًا لطبيبته بعد تشخيصه بمرض التصلّب الجانبي الضموري، وكيف أعطاه الأطباء سنتين فقط ليعيش.
هذا الحدث غيّر حياته بالكامل. يروي كيف انتقل من الشعور باليأس إلى قرار مواصلة البحث العلمي بتركيز أعلى.
يقول:
«كل لحظة أصبحت ذات قيمة. لم يعد لدي وقت لأضيعه.»
ويبين أن مرضه كان paradoxically سببًا في تطوير إرادة قوية دفعته لتحقيق إنجازات علمية ضخمة.

الفصل الثالث: نظرة جديدة للثقوب السوداء

يخصص هوكينغ جزءًا كبيرًا من الكتاب لشرح الثقوب السوداء باسلوب مبسط. من أهم النقاط:

1. ما هو الثقب الأسود؟

هو منطقة في الفضاء حيث تكون الجاذبية قوية لدرجة أن لا شيء يمكنه الهرب، حتى الضوء. لذلك فهو «أسود» بالكامل.

2. أفق الحدث

هو الحد الفاصل بين الداخل والخارج. إذا عبر شيء هذا الحد، فلن يستطيع العودة.

3. إشعاع هوكينغ

هذا من أهم اكتشافاته، حيث برهن أن الثقوب السوداء ليست سوداء تمامًا، بل تُصدر إشعاعًا نتيجة تقلبات الكم.
وبالتالي فهي تفقد كتلتها تدريجيًا وقد تتبخر في النهاية.
هذا الاكتشاف غيّر فهم الفيزياء للثقوب السوداء وأدى إلى جدل كبير.

4. ماذا يحدث للمعلومات داخل الثقب الأسود؟

واحدة من أشهر مشكلات الفيزياء: هل تختفي المعلومات إلى الأبد؟
هوكينغ كان يظن أنها تضيع، لكنه لاحقًا عدّل رأيه.
في هذا الكتاب يطرح المشكلة فقط، دون حل نهائي، لأنها لم تكن حُلَّت بعد وقت كتابته.

الفصل الرابع: الأكوان الناشئة

عنوان الكتاب يشير إلى فكرة غريبة ومثيرة:
أن الثقوب السوداء قد تكون بوابات لأكوان جديدة صغيرة (Baby Universes).

يشرح هوكينغ هذا كالتالي:

1. تقلبات الزمكان

وفقًا لميكانيكا الكم، يمكن للزمكان نفسه أن يتقلب، مما يسمح بنشوء «فقاعات» صغيرة قد تتمدد لتصبح أكوانًا كاملة.

2. الثقب الأسود كبذرة

ربما انهيار المادة داخل الثقب الأسود يؤدي إلى نشوء زمكان جديد مستقل، أشبه بكون مستقل له قوانينه الخاصة.

3. احتمال وجود عدد لا نهائي من الأكوان

يقترح هوكينغ أن كوننا ربما واحد من أكوان عديدة، كل واحد منها بظروف مختلفة.
وأن «الكون المناسب للحياة» ليس معجزة، بل نتيجة تنوّع هائل داخل «متعدد الأكوان».

هذه الأفكار ليست ثابتة علميًا، لكنها تعبّر عن الجرأة الفلسفية التي ميزت أعمال هوكينغ.

الفصل الخامس: الكون والبداية

يناقش هوكينغ مسألة بداية الكون عبر نظرية الانفجار العظيم.
يشير إلى أن الزمن نفسه بدأ عند الانفجار العظيم، وبالتالي سؤال «ماذا كان قبل ذلك؟» يشبه سؤال «ما هو شمال القطب الشمالي؟»
أي لا معنى له ضمن الفيزياء.

يضيف:

  • الكون في بدايته كان نقطة متناهية الكثافة والحرارة.

  • بعد جزء من الثانية، تمدد بسرعة هائلة.

  • ما زال يتمدد حتى اليوم.

ويميل هوكينغ إلى فكرة أن الكون نشأ نتيجة قوانين الطبيعة دون حاجة لتدخل خارق في لحظة الانطلاق، لكنه يقرّ بأن السؤال الفلسفي الأكبر حول «لماذا توجد قوانين أصلًا» ما زال مفتوحًا.

الفصل السادس: طبيعة الزمن

يتناول هوكينغ العلاقة المعقدة بين الزمن والفيزياء.

1. هل الزمن له اتجاه؟

نعم، لأن الإنتروبيا (العشوائية) تزداد.
هذا ما يعطي الزمن «سهمه».

2. هل يمكن السفر عبر الزمن؟

من الناحية النظرية، يسمح النسبية بذلك تحت ظروف معينة، لكن عمليًا لا يوجد دليل.
هوكينغ يشكّك في إمكانية السفر عبر الزمن إلى الماضي، ويقترح «فرضية حماية التسلسل الزمني» التي تمنع التناقضات.

3. الزمن المتخيل

يستخدم هوكينغ مفهومًا رياضيًا: «الزمن المتخيل» الذي يحوّل الزمن إلى بعد يشبه الأبعاد المكانية.
بهذه الطريقة يصبح نموذج الكون أكثر سلاسة من الناحية الرياضية.
هذا المفهوم محور مهم في أعماله.

الفصل السابع: الإنسان في مواجهة الكون

يتوقف هوكينغ ليطرح تساؤلات فلسفية:

  • لماذا نحن هنا؟

  • هل للكون هدف؟

  • ما معنى أن نفهم العالم؟

لا يعطي أجوبة قاطعة، بل يرى أن البحث نفسه يمنح الحياة معناها.
ويصرّ على أن العلم ليس مجرد تراكم معلومات، بل «مغامرة عقلية».

الفصل الثامن: سير ذاتية وأفكار شخصية

يضم الكتاب مقالات شخصية كثيرة، من أبرزها:

1. تحدي المرض

يتحدث عن فقدانه للقدرة على الحركة والكلام، وكيف استخدم التكنولوجيا ليستمر في البحث والتواصل.

2. العائلة

يتحدث عن دوره كأب وزوج، وكيف حاول أن يوازن بين حياته العلمية وحياته الخاصة.

3. الشهرة

يعترف بأن الشهرة لم تغيره كثيرًا، لكنه استخدمها ليدعم العلم والتعليم.

4. الأمل والإرادة

رسالة هوكينغ الأساسية:
«مهما كانت الظروف قاسية، يمكن للعقل البشري أن يحقق المعجزات.»

الفصل التاسع: نحو نظرية موحدة

يرى هوكينغ أن هدف الفيزياء هو الوصول إلى نظرية كل شيء التي توحّد:

  • النسبية العامة (الجاذبية)

  • ميكانيكا الكم (عالم الجسيمات)

يتحدث عن محاولات التوحيد، مثل:

  • نظرية الأوتار

  • الجاذبية الكمومية

  • النماذج المقترحة للزمكان المتجهي

لكنه يؤكد أن الطريق ما زال طويلًا، وأن الفيزياء الحديثة مليئة بالأسرار.


يختتم هوكينغ كتابه برسالة قوية:

«الكون مكان هائل وغامض، لكنه قابل للفهم.
ومهمتنا كبشر أن نطرح الأسئلة، ونجرؤ على معرفة ما وراء الحدود.»

يعود إلى جوهر الكتاب:

  • الثقوب السوداء ليست نهاية، بل بداية لأسئلة جديدة.

  • الأكوان الناشئة احتمال مثير يعكس ثراء قوانين الطبيعة.

  • العلم رحلة، وليس محطة.

  • والإرادة البشرية تستطيع أن تتغلب على كل المعوّقات.





Post a Comment

أحدث أقدم