«إنَّ الله معنا» – فهد البشارة
الكتاب موجّه إلى كل شخص يشعر بأن الضغوط أثقلت قلبه، وأنه يبحث عن معنى أكبر من تفاصيل الحياة اليومية. من خلال أسلوب بسيط وعميق، يجمع الكاتب بين النصوص الشرعية، والخواطر الإيمانية، والمواقف الإنسانية، ليبني رؤية متوازنة تقول: ما دام الله معك، فلا شيء يمكن أن يُفقِدك سلامك.
الفصل الأول: معنى المعية الإلهية
يُميِّز الكاتب بين ثلاثة مستويات لفهم «معية الله»:
-
معية عامة تشمل جميع الخلق، بمعنى الإحاطة والعلم.
-
معية خاصة بالمؤمنين، فيها الرحمة والتوفيق والحفظ.
-
معية خاصة جدًا لأهل التقوى واليقين والصبر والمحسنين.
يؤكد البشارة أنّ المعية ليست مجرد صفة عقائدية نتعلمها، بل حالة يعيشها الإنسان في قلبه. حين يدرك المرء أن الله مطّلع على سره، محيط بحياته، يعلم مخاوفه وضعفه، يبدأ الشعور الحقيقي بالأمان.
ويقدم الكاتب مثالًا من قصّة النبي ﷺ في الغار حين قال لأبي بكر: «ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟»
هذه الكلمة عند البشارة ليست حدثًا تاريخيًا، بل برنامج حياة لمن يريد أن يعيش بمعية الله في كل ظرف.
الفصل الثاني: الخوف والقلق… كيف يذوبان؟
يرى البشارة أن جذور الخوف في الإنسان تنبع من ثلاثة مصادر:
-
الخوف من المستقبل
-
الخوف من الفقد
-
الخوف من الناس
ويشرح أن هذه المخاوف تتلاشى عندما ينتقل الإنسان من الاعتماد على نفسه إلى الاعتماد على الله.
فالخوف من المستقبل مثلًا يتلاشى عندما يدرك المؤمن أنّه لا يعيش الأحداث وحده، وأنّ الله يُدبّر الأمر من فوق سبع سماوات.
ويضرب الكاتب أمثلة واقعية لأشخاص عاشوا أحداثًا صعبة—مرض مفاجئ، خسارة مالية، فقدان وظيفة—لكنهم خرجوا منها أكثر قوة لأنهم عاشوا اليقين بأن «الله معهم».
ثم يضيف نقطة مهمة: المعية لا تعني زوال الشدة، بل تعني القدرة على تجاوزها دون أن ينكسر القلب.
فالمؤمن قد يمرض، لكنه لا ينهار. قد يتأخر رزقه، لكنه لا ييأس. قد يفقد أحباءه، لكنه لا يفقد ثقته بالله.
الفصل الثالث: الرزق وتدبير الله
يشير البشارة إلى أن أحد أكثر أبواب القلق انتشارًا هو باب الرزق. ويقدّم معالجة إيمانية متوازنة لهذا الهمّ، قائلًا إن الرزق له ثلاثة قوانين أساسية:
-
أنه مكتوب قبل أن يولد الإنسان.
-
أنه يسعى إليك كما تسعى إليه.
-
وأنه لا سلطان لأحد على منعه أو حجبه عنك.
ويهاجم الكاتب فكرة الاعتماد المطلق على الأسباب الدنيوية، معتبرًا أنها أحد منابع القلق. «خذ بالأسباب»، كما يقول، «لكن لا تعبدها».
كما يميّز بين الرزق الظاهر (مال، وظيفة، ممتلكات) والرزق الباطن (راحة النفس، محبة الناس، القناعة). ويذكّر بأن الرزق الذي يباركه الله يغني صاحبه ولو كان قليلًا، بينما الرزق الذي يخلو من البركة قد يكون كثيرًا لكنه لا يثمر سعادة.
الفصل الرابع: الابتلاء… طريق المعية
يعالج البشارة مسألة الابتلاء بطريقة مختلفة عن الطرح الوعظي التقليدي؛ فهو يربط بين الشدائد وبين عمق حضور الله في حياة الإنسان.
يقول: «الابتلاء ليس عذابًا، بل رسالة.
ليس ضربة، بل دعوة للعودة.
ليس إهانة، بل اصطفاء يُرجعك إلى الله بقلب جديد.»
ويتوقف عند معنى مهم: لو كانت المعية تعني إزالة الشدائد، لما ابتُلي الأنبياء وهم أقرب الناس إلى الله.
فالابتلاء عنده امتحان لليقين، ومحرّك لتغيير الداخل، ووسيلة لتمييز القلب القوي من القلب الهشّ.
ثم يذكر أن المعية تكشف للإنسان أن الألم ليس نهاية الطريق، بل بدايته. ومن يذوق المعية في منتصف محنته يشعر بأن الله يصنع له قوة جديدة، ويغيّر داخله قبل أن يغيّر واقعه.
الفصل الخامس: العلاقات الإنسانية في ضوء المعية
يركّز الكاتب على نقطة مهمة: كثير من الألم في الحياة يأتي من الناس—من تجارب الخذلان، أو سوء الظن، أو الظلم، أو الفراق.
لكن المعية تغيّر جذريًا طريقة تعامل الإنسان مع العلاقات.
أولًا: التحرر من التعلق بالناس
يرى البشارة أن التعلق الشديد بالبشر يورث حزنًا، وأن الحلّ ليس قطع العلاقات، بل إعادة ترتيب القلب:
«احبب الناس بقلبك، لكن علِّق قلبك بالله وحده.»
فإذا فقدت شخصًا أو تغيّر عليك آخر، يبقى قلبك ثابتًا لأن مصدر الأمان ليس البشر.
ثانيًا: مسامحة الناس
المعية تعلّم الإنسان أن يُسامح لأن الله يُسامحه، وأن يتجاوز لأن الله يتجاوز عنه.
يربط الكاتب بين التسامح وبين راحة القلب، معتبرًا أنه من ثمار المعية، وأنّ الإنسان كلما عرف الله أكثر خفّ غضبه وقلّ ضيقه.
ثالثًا: محبة من حولك
يؤكد البشارة أن الله يجعل لك القبول في قلوب الناس حين تكون علاقتك به مستقيمة:
«إذا أحبّك الله، لا يهم من يكرهك.
وإذا أبغضك الله، لا ينفعك من يحبك.»
الفصل السادس: كيف تعيش المعية عمليًا؟
يخصص الكاتب فصلًا تطبيقيًا مهمًا، يقدّم فيه وسائل عملية للوصول إلى المعية. يذكر أبرزها:
1. الذكر
ليس الذكر عنده مجرد ترديد، بل حضور قلبي.
يقول: «الذكر هو أن تقول بقلبك قبل لسانك: أنا مع الله والله معي».
2. الصلاة
يصوّر الصلاة بوصفها خط الاتصال الذي لا ينقطع، ويؤكد أن من حافظ عليها حصل على أعظم أسباب المعية.
3. الدعاء
الدعاء عند البشارة إعلان افتقار كامل، وهو أعظم ما يستنزل معية الله الخاصة.
4. التوكل
يشرح أن التوكل ليس تركًا للأسباب، ولا اعتمادًا عليها، بل وضعها في مكانها الصحيح.
5. الاستغفار
الاستغفار يجلي القلب ويهيئه ليكون وعاءً للسكينة.
الفصل السابع: علامات من يعيش مع الله
يرصد البشارة تغيرات واضحة في شخصية من يعيش حالة المعية، مثل:
-
طمأنينة لا تُفسَّر بالأسباب.
-
قلة الشكوى.
-
سعة الصدر.
-
ثقة عميقة بقدر الله.
-
قدرة على تجاوز الخيبات.
-
روح رحيمة ومتسامحة.
-
إحساس بالرضا الداخلي مهما كانت الظروف.
ثم يؤكد أن هذه العلامات لا تظهر فجأة، بل تتكون مع الوقت، وأن أقرب الناس إلى المعية هم الذين يعاملون الله كما يحب: صدقًا، ونيّةً، وتعظيمًا.
يختم البشارة كتابه برسالة مؤثرة:
«إذا أردت الطمأنينة فاجعل الله رفيقك.
إذا أردت القوة فاجعل الله سندك.
إذا أردت السعادة فاجعل الله في قلبك.
تتغير الدنيا كلها حين يتغير إحساسك بأنك لست وحدك.»
هذه الخاتمة تلخّص روح الكتاب: أن الحياة بمعية الله ليست حياة بلا مشاكل، بل حياة بلا خوف. ليست حياة بلا خسائر، بل حياة بلا قلق. ليست حياة بلا تحديات، بل حياة بلا انكسار.

إرسال تعليق