🌙 رمضان وكيف نستقبله

                         وكيف نستقبل  رمضان ؟




يحلّ علينا شهر رمضان المبارك كل عامٍ كضيفٍ كريم، يحمل في طيّاته الرحمة والمغفرة والعتق من النار.

هو شهر يتنزّل فيه الخير، وتُفتح فيه أبواب السماء، وتُصفّد الشياطين، وتُزكّى فيه النفوس بالصيام والقيام والذكر والقرآن.
قال الله تعالى:

{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (البقرة: 185)

إن استقبال هذا الشهر ليس بالأمنيات ولا بالكلمات، بل بالاستعداد القلبي والروحي والجسدي، حتى نكون من الذين صاموا رمضان إيمانًا واحتسابًا فغُفر لهم ما تقدّم من ذنبهم.

🌟 أولًا: فضل شهر رمضان

رمضان شهر مبارك فضّله الله على سائر الشهور، ومن أبرز فضائله:

  1. نزول القرآن الكريم فيه، فهو شهر الوحي والنور والهداية.

  2. الصيام فيه ركن من أركان الإسلام، قال ﷺ:

    «بُني الإسلام على خمس… وصوم رمضان» (متفق عليه).

  3. تُفتح فيه أبواب الجنة وتُغلق أبواب النار، كما جاء في الحديث الشريف:

    «إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الجنة وغُلقت أبواب النار وصُفدت الشياطين» (رواه البخاري).

  4. ليلة القدر، وهي خير من ألف شهر، من قامها إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه.

🌟 ثانيًا: معنى الاستعداد لرمضان

الاستعداد لرمضان لا يكون فقط بتحضير الطعام أو الزينة، بل يكون بتحضير القلوب والأرواح لاستقبال نفحات الإيمان.
قال بعض السلف: “رجب شهر الزرع، وشعبان شهر السقي، ورمضان شهر الحصاد.”
فمن لم يزرع في رجب، ولم يسق في شعبان، فكيف يحصد في رمضان؟

🌟 ثالثًا: كيف نستقبل رمضان؟

1.  بالتوبة الصادقة

رمضان شهر التوبة والرجوع إلى الله، فلا يصح أن نستقبله بذنوبٍ قديمة ومعاصٍ متراكمة.
قال تعالى:

{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور: 31)

فلنغسل قلوبنا قبل أن نغسل أجسادنا، ولنجعل أول أيام رمضان بداية صفحة جديدة مع الله.

2.  بتجديد النية والإخلاص

الصيام عبادة خفية بين العبد وربّه، لا يعلم حقيقتها إلا الله.
قال النبي ﷺ:

«من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه» (متفق عليه).

فلنجعل نيتنا خالصة لله، لا رياءً ولا عادةً، بل عبادةً وطاعةً.

3.  بالإكثار من قراءة القرآن 📖

رمضان هو شهر القرآن، ومن أعظم الاستعداد له أن نبدأ بتلاوته وتدبره من الآن.
كان جبريل يدارس النبي ﷺ القرآن في رمضان كل عام، فليكن لنا نحن أيضًا ورد يومي نهيئ به قلوبنا للأنس بكلام الله.

4.  بالمصالحة والإحسان 🕌

رمضان شهر الرحمة والتواصل، فلا ندخله وقلوبنا مليئة بالحقد أو القطيعة.
قال ﷺ:

«تُعرض الأعمال في كل اثنين وخميس، فيُغفر لكل امرئ لا يشرك بالله شيئًا، إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء» (رواه مسلم).

فليكن رمضان فرصة للعفو والتسامح وصلة الرحم، حتى ينزل علينا الله برحمته.

5.  بتهيئة النفس على الصبر والطاعة 🤲

الصيام مدرسة للصبر، فهو يعلمنا ضبط النفس عن الشهوات والغضب والكلام السيء.
قال ﷺ:

«الصيام جُنّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم» (متفق عليه).

فلنستعد لتربية أنفسنا على الصبر الجميل والهدوء في المواقف الصعبة.

6.  بتنظيم الوقت

رمضان ليس شهر الكسل والنوم، بل هو شهر العبادة والنشاط.
فلنخطط لأيامنا مسبقًا:

  • وقت للقرآن،

  • وقت للذكر والدعاء،

  • وقت للقيام والتهجد،

  • ووقت للراحة والعمل.

تنظيم الوقت في رمضان هو سر النجاح في اغتنامه.

🌟 رابعًا: مظاهر استقبال السلف لرمضان

كان السلف الصالح يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، وستة أشهر أخرى أن يتقبله منهم.
وكانوا يتهيأون له بالعبادة قبل دخوله، فيكثرون من الصيام في شعبان، والصدقة، وقيام الليل.
قال ابن رجب: “كانوا يعدّون أيام شعبان استعدادًا لرمضان، كما يعدّ الجندي سلاحه قبل المعركة.”

🌟 خامسًا: آداب المسلم في رمضان

  1. حفظ اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب.

  2. غض البصر وصون السمع عن المحرمات.

  3. الإكثار من الذكر والدعاء وخاصة عند الإفطار.

  4. الإحسان إلى الفقراء والمحتاجين، فالرسول ﷺ كان أجود الناس في رمضان.

  5. قيام الليل وصلاة التراويح بخشوعٍ وخضوعٍ لله تعالى.

🌟 سادسًا: أعمال مستحبة في رمضان

  • تلاوة القرآن بتدبر وخشوع.

  • الإكثار من الدعاء وخاصة في الثلث الأخير من الليل.

  • تفطير الصائمين ولو بتمرة أو شربة ماء.

  • إخراج الزكاة والصدقات.

  • المحافظة على الأذكار اليومية.

  • الاجتهاد في العشر الأواخر لتحري ليلة القدر.

🌟 سابعًا: أثر الاستعداد الجيد لرمضان

من استقبل رمضان بإيمانٍ وعزمٍ صادق، شعر بنورٍ يغمر قلبه، وسكينةٍ تملأ حياته.
أما من استقبله بالعادات فقط، فقد يفوته خير الشهر كله.
إن الاستعداد الصادق يجعل من رمضان محطة للتغيير الحقيقي في حياة المسلم، فيخرج منه إنسانًا جديدًا أقرب إلى الله.

🌟 ثامنًا: بعد رمضان

رمضان ليس نهاية الطاعة، بل هو بداية جديدة لطريق الإيمان.
فمن علامات قبول العمل أن يتبعه العبد بالطاعة بعده.
فلنحافظ على ما اكتسبناه من صفاءٍ وعبادةٍ حتى بعد انقضاء الشهر الكريم.


رمضان فرصة لا تتكرر كثيرًا، ومن أدركه فقد أدرك كنزًا عظيمًا.
فلنستقبله بقلوبٍ تائبة، ونفوسٍ متطلعة إلى المغفرة، وألسنةٍ ذاكرة شاكرة.
ولنجعل منه شهرًا للتغيير والإصلاح والارتقاء الروحي، حتى نكون من الذين قال الله فيهم:

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ، إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ} (الذاريات: 15-16)

نسأل الله أن يبلغنا رمضان ويعيننا فيه على الصيام والقيام وتلاوة القرآن، وأن يجعلنا من عتقائه من النار. 🌸

Post a Comment

أحدث أقدم