الفروض والسنن في الإسلام: توازن بين الواجب والكمال
فقد شرع الله تعالى فرائض واجبة تُعدّ أساس الدين وأركانه، وسننًا مستحبة تزيد من القرب إلى الله وتُكمّل العمل الصالح.
يقول النبي ﷺ:
«إن الله فرض فرائض فلا تضيّعوها، وحدّ حدودًا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمةً بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها»
(رواه الدارقطني)
في هذا المقال، نتعرّف على معنى الفرض والسنة، والفَرق بينهما، وأمثلة منهما في حياة المسلم، وكيف يوازن المؤمن بين أداء الفرض واتباع السنة ليبلغ مرتبة الإحسان.
🌟 أولًا: معنى الفروض في الإسلام
🔹 تعريف الفرض
الفرض هو الواجب الشرعي الذي أمر الله به أمرًا جازمًا، بحيث يُثاب فاعله ويأثم تاركه.
فهو أمر لا غنى للمسلم عنه، لأنه أصل في العبادة والطاعة.
🔹 أنواع الفروض
ينقسم الفرض إلى نوعين رئيسيين:
-
فرض عين
هو الذي يجب على كل مسلم ومسلمة أداءه بنفسه، كالصلاة، والصوم، والزكاة، والحج لمن استطاع إليه سبيلًا.
مثال: قال تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (البقرة: 43)
-
فرض كفاية
إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، وإن تركه الجميع أثموا جميعًا.
مثل: صلاة الجنازة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعلم بعض العلوم النافعة للأمة.
قال تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} (آل عمران: 104)
🌟 ثانيًا: معنى السنن وأهميتها
🔹 تعريف السنة
السنة هي ما فعله النبي ﷺ أو قاله أو أقرّه ولم يفرضه الله فرضًا.
فهي مستحبة يُثاب من فعلها، ولا يُعاقب من تركها، لكنها دليل على حبّ العبد لربّه واتباعه لرسوله ﷺ.
🔹 أنواع السنن
-
سنة مؤكدة:
داوم عليها النبي ﷺ ولم يتركها إلا نادرًا، مثل صلاة الوتر، وسنة الفجر، والعشر الأواخر من رمضان.
قال ﷺ:«ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها» (رواه مسلم)
-
سنة غير مؤكدة:
فعلها النبي ﷺ أحيانًا وتركها أحيانًا، مثل صلاة الضحى، وصيام الإثنين والخميس. -
سنة قولية:
ما نُقل من أقواله ﷺ مثل قوله:«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت» (متفق عليه)
-
سنة فعلية:
كهيئة صلاته ﷺ ووضوئه وحجّه. -
سنة تقريرية:
ما فعله الصحابة أمامه فأقرّهم عليه دون إنكار.
🌟 ثالثًا: الفرق بين الفرض والسنة
| الجانب | الفرض | السنة |
|---|---|---|
| الحكم الشرعي | واجب لا يُترك | مستحب |
| الجزاء | يُثاب فاعله ويأثم تاركه | يُثاب فاعله ولا يُؤثم تاركه |
| المصدر | أمرٌ من الله في القرآن أو السنة المؤكدة | من هدي النبي ﷺ وأفعاله |
| الهدف | أداء العبادة المفروضة | إتمام العمل وتزيينه |
| النتيجة | صحة العبادة | زيادة الأجر والرفعة في الدرجات |
🌟 رابعًا: أمثلة من الفروض في حياة المسلم
-
الصلاة الخمس
قال تعالى:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (النساء: 103)
-
صيام رمضان
{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (البقرة: 185)
-
إخراج الزكاة
{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} (التوبة: 103)
-
الحج لمن استطاع
{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (آل عمران: 97)
-
برّ الوالدين
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (الإسراء: 23)
🌟 خامسًا: أمثلة من السنن في حياة المسلم
-
السنن الرواتب مع الصلوات
كان النبي ﷺ يحافظ على 12 ركعة في اليوم غير الفريضة، وقال ﷺ:«من صلى في يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتًا في الجنة» (رواه مسلم)
-
صيام الإثنين والخميس
لأنه ﷺ قال:«تعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس فأحب أن يُعرض عملي وأنا صائم» (رواه الترمذي)
-
الابتسامة واللين في المعاملة
قال ﷺ:«تبسمك في وجه أخيك صدقة» (رواه الترمذي)
-
الذكر بعد الصلوات
من سننه ﷺ التسبيح ثلاثًا وثلاثين والحمد ثلاثًا وثلاثين والتكبير أربعًا وثلاثين. -
قيام الليل وقراءة القرآن
سنة عظيمة تُقرّب القلب من الله وتزيد في نور الإيمان.
🌟 سادسًا: لماذا شُرعت السنن بعد الفروض؟
-
لتكون تكفيرًا للنقص الذي يقع في الفرض.
-
ولأنها تزيد القرب من الله تعالى وتُظهر صدق الحب له.
-
قال النبي ﷺ في الحديث القدسي:
«وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه» (رواه البخاري)
فالفرض يوصلك إلى الجنة،
أما السنة فتقربك من محبة الله، وهي أعظم من الجنة ذاتها.
🌟 سابعًا: التوازن بين الفرض والسنة
المسلم الذكي لا يكتفي بأداء الواجبات فقط، ولا يحمّل نفسه فوق طاقتها من النوافل.
بل يسير على منهج الاعتدال كما قال ﷺ:
«خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يملّ حتى تملّوا» (متفق عليه)
الفرائض تحفظ الدين، والسنن تُجمّله وتزيده نورًا.
ومن جمع بينهما نال كمال الإيمان وتمام الهداية.
إن الفروض هي أساس الدين، والسنن هي روحه وجماله.
من حافظ على الفروض نجا، ومن أضاف إليها السنن سعد وفاز بالقرب من الله تعالى.
فالعبادة ليست مجرد التزام، بل هي حب وطاعة وتوازن بين الواجب والمستحب.
يقول تعالى:
{وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ} (حديث قدسي صحيح)
فلنحرص على أداء الفروض بإخلاص، ونتزيّن بالسنن حبًّا لربنا وسيرًا على خطى نبينا ﷺ، حتى نكون من الذين يعبدون الله على علمٍ ونورٍ، لا على عادةٍ أو غفلة.

إرسال تعليق