«هذه رسالات القرآن» لفريد الأنصاري
الأنصاري يؤكد منذ الصفحات الأولى أن القرآن ليس مجرد نصّ للتدبر الفكري، ولا للبركة العاطفية، بل هو وثيقة هداية، وكتاب تحوّل حضاري، ومنهج لتغيير الإنسان والمجتمع.
أولاً: القرآن… كتاب الرسالات الكبرى
يركّز الأنصاري على أن القرآن يحمل رسالات عظيمة موجهة للإنسان عبر كل الأزمنة، أهمها:
1. رسالة التوحيد
أعظم رسالة في القرآن هي رسالة:
"لا إله إلا الله"
إنها ليست كلمة تقال، بل نظام حياة يبنى على تحرير الإنسان من الخوف والعبودية لغير الله.
2. رسالة تحرير الإنسان
يؤكد الأنصاري أن القرآن جاء ليحرر الإنسان من:
-
الخرافة
-
الخوف
-
التبعية
-
الشهوات
-
الظلم
-
الاستعباد الروحي والاجتماعي
إنه كتاب يصنع إنساناً قوياً، حراً، واعياً.
3. رسالة إقامة العدل
يطرح القرآن العدل بوصفه غاية مركزية، لا يقوم الإيمان بدونها، سواء في الأسرة أو في المجتمع أو في الدولة.
4. رسالة الإصلاح الاجتماعي
القرآن ليس خطاباً فردياً فقط، بل مشروعاً لإصلاح الأمة عبر:
-
الأخلاق
-
العلاقات
-
الاقتصاد
-
الحكم
-
نشر الخير
ثانياً: أزمة الأمة مع القرآن
يرى الأنصاري أن الأمة تعيش قطيعة روحية مع القرآن، رغم كثرة التلاوة والحفظ.
ويعدد مظاهر هذه الأزمة:
1. تحويل القرآن إلى طقوس
أصبح القرآن يُقرأ للبركة، أو في الجنائز، أو في المناسبات، بينما غاب دوره كمنهج حياة.
2. ضعف التدبر الحقيقي
التدبر لا يعني التأمل اللغوي فقط، بل يعني:
-
الفهم
-
التحقق
-
العمل
-
التطبيق العملي في السلوك
3. الغفلة عن الرسالة
الأمة تركت “رسالات” القرآن الكبرى، واكتفت بمظاهر سطحية، فضاعت القوة الحقيقية للكتاب.
ثالثاً: المنهج القرآني لصناعة الإنسان
يشرح الأنصاري أن القرآن يصنع الإنسان عبر ثلاث مراحل أساسية:
1. مرحلة التصحيح
يُصحّح القرآن:
-
المفاهيم
-
المعتقدات
-
الرؤية الكونية
-
علاقتك بنفسك وبالله
هذه المرحلة تبدأ عادة بسور مكة التي تخاطب النفس وتعيد بناءها داخلياً.
2. مرحلة التزكية
بعد التصحيح يأتي التطهير القلبي، حيث يحرر القرآن الإنسان من:
-
الغرور
-
الشهوات
-
الحسد
-
الكبر
-
حب السيطرة
إنها صناعة الروح المؤمنة المتوازنة.
3. مرحلة البناء الحضاري
في آخر مراحل الرسالة، يقدم القرآن منهجاً لقيام:
-
مجتمع متماسك
-
أمة عادلة
-
حضارة تقوم على الأخلاق والإيمان
هذه المرحلة تتجلى بوضوح في سور المدينة.
رابعاً: الصحبة القرآنية… مفهوم الأنصاري الأثير
أحد أبرز أفكار الكتاب هو مفهوم الصحبة مع القرآن:
1. القرآن يُصاحب ولا يُقرأ فقط
الصحبة تعني أن القرآن يصبح:
-
مرشداً
-
مربياً
-
حاضراً في الوعي اليومي
-
حاكماً للسلوك
-
مقياساً للقرارات
2. كيف تتحقق الصحبة؟
يشرح الأنصاري أنها تقوم على أربع دعائم:
أ. التلاوة الهادفة
تلاوة بقلب حاضر، هدفها إحياء الروح لا مجرد الحركة باللسان.
ب. التدبر المتدرّج
فهم المقاصد والرسائل الكبرى، والانتقال من الآية إلى الواقع.
ج. التزكية العملية
تغيير السلوك تبعاً لما تتدبره، وهذا أساس الصحبة.
د. الدعوة بالقرآن
نشر الرسالة بالحكمة، وليس بالخصومة أو الجدل الجاف.
خامساً: منهج التغيير القرآني
يشرح الأنصاري بطريقة بديعة كيف أطلق القرآن حركة تغيير كبرى في الجيل الأول. وينبّه إلى أن التغيير لا يبدأ بالمجتمع، بل يبدأ بـ:
1. القلب
القرآن يخاطب القلب أولاً لأنه أصل كل سلوك.
2. النفس
بعد إصلاح القلب ينصلح الفرد.
3. الأسرة
الأسرة هي البناء الأول لأي نهضة.
4. المجتمع
عندما ينصلح الأفراد تتغير قواعد المجتمع تلقائياً.
5. الأمة
التغيير الواسع يأتي كنتيجة طبيعية للتغيير القاعدي.
هذا المنهج التدريجي يسمّيه الأنصاري "الهندسة القرآنية للتغيير".
سادساً: رسائل السور القرآنية
يقدّم الأنصاري قراءات روحية لعدد من السور، ويكشف عن رسائلها المركزية. ومن ذلك:
سورة الفاتحة
رسالة الهداية الشاملة:
الهداية للحق، للطريق، وللثبات.
سورة البقرة
رسالة الاستخلاف:
كيف يبني الله أمةً تحمل رسالة الحق.
سورة آل عمران
رسالة الثبات:
الثبات أمام الشبهات والشهوات.
سورة النساء
رسالة العدل الأسري والاجتماعي.
سورة الأنفال والتوبة
رسالة القوة والرباط والإعداد الحضاري.
سورة النور
رسالة الطهارة وبناء المجتمع النظيف.
سورة يوسف
رسالة الصبر والبصيرة والتخطيط.
وهكذا يستخرج الأنصاري من السور رسائل عملية تعيد القارئ إلى القرآن بوعي جديد.
سابعاً: المشكلة ليست في القرآن… بل فينا
يؤكد الأنصاري أن القرآن لم يتخلَّ عن الأمة، لكن الأمة هي التي تخلّت عن القرآن.
وأبرز علامات ذلك:
-
عدم تحويل القرآن إلى برنامج يومي
-
ترك العمل بالآيات
-
ضعف الارتباط الروحي
-
الغفلة عن سنة التدبر
-
قلة التأمل في رسالات السور
ويبيّن أن العودة إلى القرآن ليست ترفاً، بل ضرورة وجودية للأفراد والأمة.
ثامناً: الطريق إلى التغيير بالقرآن
يقترح الأنصاري خطوات واضحة لإحياء العلاقة مع القرآن:
1. العودة الفردية اليومية للقرآن
ولو بصفحات قليلة، المهم الفهم والصدق.
2. إعادة بناء الوعي من داخل القرآن
التمرين اليومي على تحويل كل موقف في الحياة إلى درس قرآني.
3. جعل القرآن مرجعاً للحياة
لا قرار بلا آية، ولا موقف بلا دليل من القرآن.
4. التربية بالقرآن داخل الأسرة
يتحدث الأنصاري بإسهاب عن أهمية أن تصبح الأسرة “أسرة قرآنية”.
5. نشر الرسالة بالقدوة
التأثير بالخلق والسلوك، لا بالخطابة والجدل.
تاسعاً: النداء الأخير في الكتاب
في الخاتمة يطلق الأنصاري نداءً مؤثراً، يختصر فيه جوهر الكتاب:
“عودوا إلى القرآن، فإنه لا يخذل من صدق معه.”
ويحذر من تحويل القرآن إلى مادة للثقافة أو خطاب إعلامي منفصل عن التزكية والسلوك.
فالقرآن جاء ليصنع:
-
إنساناً سليماً
-
قلباً حياً
-
مجتمعاً عادلاً
-
أمة شاهدة
والكاتب يؤمن أن بعث الأمة لن يتحقق إلا إذا عادت إلى رسالات القرآن كما عاد إليها الجيل الأول.
كتاب «هذه رسالات القرآن» هو مشروع لإحياء الأمة من بوابة القرآن.
يدعو فيه فريد الأنصاري إلى صحبة حقيقية مع القرآن، تتجاوز التلاوة اللفظية إلى التغيير الداخلي والبناء الحضاري.
إنه كتاب يعيد للقارئ معنى الارتباط بالله، ويبرز أن القرآن ليس كتاباً دينياً فقط، بل دستوراً روحياً وإنسانياً وحضارياً يمكنه أن يعيد تشكيل الفرد والمجتمع.
إرسال تعليق